Thursday, August 5, 2010

المبنــي للمجهـــول

حينما يقول الملحدون أن الله على الأرجح غير موجود
يثور المؤمنون ويعددون لك كل شيء أدركناه وينسبونه لذلك "الله"

هو الذي خلقك وخلق لك الأرض والسماء ومن فيهما ومن عليهما
وامتدت آثاره لتشمل الكون كله ... بل وأبعد من ذلك من ما لم يدركه البشر
هو الذي رزقك ومنحك الصحة والأولاد
هو الذي أرسل الرسل وأظهر البراهين وأبطل الحجج
هو الذي .... هو الذي ... هو الذي ....
المحير في الأمر أن المؤمنون لا ينظرون أبداً إلى الوجه الآخر من القمر
حينما نقول لهم
حسناً والكوارث والمرض والفقر والكراهية والبطالة والاغتصاب والفساد والجوع والموت ووووو
يقولون لك لا ... بل هي من فعل البشر
بسهولة وببساطة عجيبة نسب المؤمنون كل خير لذلك "الله" المجهول ... والأعجب أنهم نسبوا كل شر إلى أنفسهم
أعتقد أننا عند هذه النقطة بحاجة إلى طبيب نفسي ليفسر لنا هذه الرغبة العميقة في تلويث النفس
أنا إنسانة مثلي مثل غيري بي الكثير من العيوب لكن بي أيضاً الكثير من المميزات أحبها في نفسي وأعرف أن الآخرين يحبونني من أجلها
لست ملوثة ولا أحمل في قلبي ضغينة لنفسي ولا أرى أنني مسئولة عن كل جرائم وسقطات هذا العالم
ولن أسمح لهذا الدين أن يلوثنا بهذه الطريقة حتى يرضى ذلك "الله" المجهول عنا
ولو كان هذا هو السبيل لرضاه فما أحقره من سبيل
يحاجوننا طيلة الوقت بكلامهم عن صنيع وخلق الله ... بدءاً من النملة التي تدب على الأرض وحتى أطراف الكون الفسيح
(المستفز أننا لم ندرك هذه الأشياء إلا بمجهود بشر مثلي ومثلك)
هل معنى أننا نعيش في كون معقد محاط بظواهر معقدة أن ننسب هذا التعقيد إلى ذلك "الله" المجهول
(مع التحفظ على كلمة معقد لأن الأمر يبدو معقداً لنا لكنه ليس معقداً على إطلاقه)
أرجو من المؤمنين أن يعذروني لاستخدام كلمة "الله" المجهول
فهو بالفعل مجهول بالنسبة لي ودعوني أكون أكثر صراحة فهو مجهول للجميع
أرجو التفكر لدقيقة في هذا الأمر هل نعرفه حقاً أم إنه مجهول
نحن لم نراه ولم نتعامل معه وليس بين أيدينا ولو دليل واحد فقط ملموس على وجوده
كل ما لدينا ظواهر معقدة

ربما لو كان ذلك "الله" يمنع الجرائم قبل أن تقع أو كان يمنع الفتنة قبل أن تشتعل أو كان يمنع الكراهية من أن تولد
ربما كنت سأشعر أن له دوراً في حياتنا
لكنه موجود من أجل ماذا؟
كي يتركنا نخطئ وهو جالس يعد ويحصي ويسجل وينتظر الميعاد المحتوم كي ينتقم مننا
هل هذا هو دوره ؟
ماذا فعل لنا؟
خلق الأرض وجعلها مسرحا لكل فنون الجريمة وهو المتفرج الكبير
تلك الأرض التي في طريقها للفناء
خلقنا وتركنا نتعذب وتفتك بنا الأمراض والحوادث ... تركنا للكراهية والعنف والتناحر من أجله
إن كان موجودا ولا يبالي
فأنا أيضا لا أبالي
الآن لا يهمني أن أعرف إن كان موجوداً أم لا
الأشرف له ألا يكون موجوداً
عاراً عليه أن يكون موجوداً
من العبث والجنون أن يكون موجوداً
لو كان موجوداً لكان من الأفضل للجميع أن يظل مجهولاً

28 comments:

روح الأمل said...

العزيزة زهرة
مش عارفة يا زهرة ايه اللى حصل وخلى بارت ترفض دخولى للبوست بتاعها صدقينى أنا انقطعت عن الرد عليها عشان كنت مشغولة جدا أنا لو فاضية كنت كتبت لها كل يوم
على العموم هى قالت لى مرة لو عندك دليل واحد مادى على ان ربنا موجود هاتيه وأنا مستعدة أؤمن بيه قلت لها حاضر حجيبهولك وفعلا لقيت فى النت ة مقال اسمه الاكتشاف العلمى لحقيقة الله وهو فى الحقيقة يا زهرة عدة مقالات بتوضح أحدث ما توصلت ليه الفيزياء من أن الله حقيقة فعلا منها حوالى مقدمتين وسبع مقالات وبعدين المقالة بتاعت الاكتشاف العلمى لحقيقة الله وبعدها مقالتين فى غاية الروعة
حتصدقينى لو قلت لك ان اكتشفت حاجات كتيرة بعد ما قريت المقالات دى اكتشفت ان احنا اتعلمنا الدين غلط فى غلط فى غلط وان احنا بنعمل العبادات كلها غلط وتصورى ان هدف الحياة كله هو صفاء النفس وان أساس الدين هو الفرح والسعادة مش البؤس والتهديد المستمر بالعقاب والذنوب والاحساس المستمر بالخوف والعذاب النفسى اللى احنا اتربينا عليه على العموم حتفهمى كل حاجة لما تقرى المقالات دى ده لو حبيتى طبعا
اذا كان معندكيش وقت لقراية السبع مقالات المقدمة ابدأى بمقال الاكتشاف العلمى لحقيقة الله واقرى كويس جدا المقالين اللى بعدها حتعرفى حقيقة الدين وهدف الحياة وان الجنة موجودة فى الأرض واحنا اللى مش شايفينها
أتمنى توصلى المقالات دى لبارت لو قدرتى وتقولى لها انى نفسى اعرف ردها عليها
أخيرا أنا قسمت كل مقال اتنين يعنى حتلاقى حوالى 17 تعليق قبل مقالة الاكتشاف العلمى لحقيقة الله لو حبيتى تبدأى قراية المقال ده اقريه فى التعليق 18 وده اللى أنا بفضله وبعدين ممكن تقرى التفاصيل العلمية بعد كدة فى المقالات السابقة وأهم حاجة المقالتين اللى بعد الاكتشاف العلمى لحقيقة الله مهمين جدا هما دول اللى حيبينوا حقيقة وهدف كل الأديان والعبادات والحياة كلها وصدقينى أنا أول مرة أحس بالحرية الحقيقية والسعادة .لما فهمت كل الحاجات دى أخيرا يا زهرة باتمنى لك انت وبارت كل السعادة والخير وان انتو تلاقوا الحقيقة اللى بتدوروا عليها
عل فكرة أنا حاولت ابعت لبارت كذا تعليق مش عارفة وصلوا ليها ولا لأ على العموم أرجو يا زهرة لو انتى على اتصال بيها توصلى ليها المقالات دى ولك جزيل الشكر والآن اليك هذه المقالات واحدة بعد الأخرى ومستنية اسمع رأيك فيها

روح الأمل said...

ديانة العلم

يصبو الوعي البشري دائما إلى الكمال لأن الإنسان مخلوق واع ويدرك ما هو الصواب وما هو الخطأ، ويعرف بشكل غريزي أن قدراته هي أكثر بكثير مما يستخدم في حياته اليومية، لذلك نرى الإنسان وفي كل العصور، وحتى منذ ما قبل التاريخ البشري المعروف، يبحث باستمرار عن ما يمكنه أن يصل به إلى الكمال.

وضع الإنسان معايير للكمال، فشخّصها بصفات فائقة، سماها الصفات الإلهية، وعرف أن هذه الصفات هي تلك التي يستطيع جهازه العصبي أن يصل إليها، لذلك نرى في كل الحضارات وكل الديانات ما يشير إلى قدرة الإنسان ورغبته في الوصول إلى الكمال.

أما في عصرنا هذا، العصر العلمي الذي لا يقبل بأي شيء إلا إذا تم إثباته علمياً، فنجد الإنسان يدور ويدور ومن ثم يعود ويكتشف إمكانياته وقدراته غير المحدودة التي هي بذاتها واردة في الحضارات القديمة والديانات عبر كل العصور.

هذه المجموعة من المقالات هي هدية لكلّ من يريد أن يتمتع بجماليات الوجود. وكما يقول المثل الشعبي: "كل الدروب تؤدي إلى الطاحونة" كذلك نستطيع القول أن كل الديانات تؤدي إلى الله، ونضيف أن العلم الحديث يكتشف الآن تلك الحقيقة، فهل سيصبح العلم ديناً نقتدي به للوصول إلى الله، ونضيف له رمزاً آخر إلى الرموز

روح الأمل said...

مقدمة كاتب المقالات

لقد تخصصت في العلوم الإدارية والمالية لمدة عشرين سنة، وبعد ذلك شأت بي الأقدار أن أتخصص في علوم مهاريشي الفيدية، وصلت إلى مستويات مرموقة في هذا المجال الذي يتضمن أبحاث ودراسات معمقة في مجالات تطوّر الوعي الفردي والوعي الجماعي ومجالات التطور الروحي إضافة إلى الإطلاع على أهم وأحدث الاكتشافات العلمية بما في ذلك علوم فيزياء الكم وعلوم الفسيولوجي البشرية، وعملت ولا أزال أستاذاً لعدد من برامج وعلوم مهاريشي بما في ذلك تقنية التأمل التجاوزي وعلم الذكاء الخلاق.

خلال أكثر من عشرين سنة في تعليم برامج مهاريشي، التقيت بآلاف الأشخاص في لبنان والدول المجاورة، الذين تعلموا تقنية التأمل التجاوزي وتابعوا في علوم مهاريشي المختلفة. وكان هؤلاء من مختلف المستويات العلمية ومختلف الطبقات الاجتماعية ومختلف المذاهب والطوائف الدينية، بما في ذلك منهم من يتبع فلسفة الإلحاد، وبالرغم من الدوافع المختلفة التي أتت بهم لتعلم تقنية التأمل التجاوزي، إلا أن غالبيتهم الساحقة، يمكنني القول أكثر من 99%، كان يهمهم معرفة ما إذا كان ما يقومون به لا يختلف مع معتقداتهم الدينية. حتى أن أحد الأشخاص الذين كانوا يتبعون فلسفة الإلحاد، كان يريد أن يعرف ما إذا كان تطور وعيه سيعطيه المقدرة لمعرفة ما إذا كان الله موجوداً.

وجدت أن اهتمام الناس أجمع ومحور حياتهم يرتكز على الوجود الإلهي، لكن الناس يعانون من عدم مقدرتهم على تحقيق ما يرد في جميع الكتب السماوية في أن يعيش الإنسان بالسعادة والبحبوحة والعدل والرخاء وغير ذلك من النعم الإلهية.

إن علوم مهاريشي الفيدية تعطي تطور على كامل مستويات الإنسان؛ على المستوى البدني (الجسم) والمستوى العقلي والمستوى الروحي. في التعمق في علوم مهاريشي النظرية مثل علم الذكاء الخلاق والمحاضرات المتقدمة التي تلقيناها من مهاريشي، وفي المقارنة مع العلوم الدينية، لم أجد إضافات كثيرة لمعرفة نظرية، لما يرد في التعاليم الدينية من مختلف الطوائف والمذاهب. إن المبدأ الأول في علوم مهاريشي من أجل التطور الروحي هو: "يوغا ستات كورو كرماني" أي معناه "تثبت بحالة التوحيد وقم بالعمل". وهذه القول نجدة في كل الديانات دون استثناء، في الإسلام يقال "أعقل وتوكل" وفي المسحية "اطْلُبُوا أَوَّلاً مَلَكُوتَ اللهِ وبِرَّهُ، وذلِكَ كُلُّهُ يُزَادُ لَكُم" وكذلك في كل الديانات الأخرى، أما عن طريقة الوصول إلى ذلك، كان يقول لنا مهاريشي اذهبوا إلى الداخل إلى الوعي الصافي الذي هو حقل غير محدود من الطاقة، وعندما يثبت العقل الواعي في هذا المستوى تكون قد وصلتم إلى حالة التوحيد بالطاقة الكونية. إما في الديانات فيتحدثون أيضاً عن طرق الوصول الطاقة غير المحدودة. في القرآن الكريم: "وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون" وفي الإنجيل المقدس "لا تبحثوا عن ملكوت الرب هاهنا أو هناك، إن ملكوت الرب فيكم". وهكذا نرى أن الهدف واضح جداً وهو التوحيد أو العقل أو ملكوت الرب. والموقع هو واضح في أنفسنا وفي داخلنا، أما الطريقة في من خلال التجاوز أو التسامي كما يقول مهاريشي، وفي الإسلام؛ علينا أن نجدد إيماننا ونقوي صلتنا بربنا كي نشعر بالسكينة، وفي المسيحية يقال "أدخل إلى مخدعك وأغلق بابك وصلي في الخفاء" وفي التوراة يقال "استكينوا واعلموا أني أنا الله".

هكذا نرى أن طريقة الوصول إلى الكمال هي واضحة جداً، ولكن ما يفتقد إليه الناس هو التقنية الصحيحة لممارسة ما توصي به دياناتهم كي يصلوا إلى حالة الفرح الدائم. وهذا النقص هو ليس في ديانة واحدة أو أثنين أو أكثر، إنه في كل الديانات أيضاً، ويعود السبب في ذلك إلى عامل الزمن. الزمن هو الذي يضيّع المعالم، ومع الزمن تتناقل الأجيال الحقيقة الدينية ومن جيل إلى جيل تضيع المعرفة. وهكذا ضاعت التقنيات الدينية للوصول إلى هدف الحياة وراح الإنسان يتخبط بالمعاناة والعذاب والقهر.

روح الأمل said...

أما الآن وفي هذا العصر العلمي، أتى عالم كبير من الهند يدعى مهاريشي ماهش يوغي، حائز على ماجستير في الرياضيات والفيزياء، كما درس لمدة ثلاثة عشر سنة العلوم الفيدية القديمة، ودرس هذه العلوم من مرجعية كبيرة مؤتمنة على الحفاظ على نقاء هذه العلوم. من ثم قدم مهاريشي تقنية التأمل التجاوزي إلى التيارات العلمية في الغرب كي يقوموا بشتى أنواع الدراسات والأبحاث حول منفعتها، ونتيجة لهذه الأبحاث العلمية أصبحت هذه التقنية البسيطة معتمدة كجزء مكمل لكثير من المناهج العلمي مثل التربية والتعليم والطب والصحة والعلوم والفسيولوجيا البشرية والفيزياء الحديثة وغيرها من العلوم.

أمام هذا الواقع أردت أن أضع مقارنة بين العلم والدين، أردت أن أظهر بشكل موجز ما توصل إليه العلم من اكتشافات حول وجود الكون وطبيعته وحول قوانين الطبيعة التي ترافق انبثاق الكون وتمدده وفنائه، وهذه القوانين الطبيعية التي تعمل على مستوى الكون هي بذاتها تعمل على مستوى الإنسان، من ولادته وحياته إلى وفاته.

وهنا لا بد أن نشكر جريدة صدى البلد التي نشرت هذه المقالات على مدى اثني عشر أسبوعاً في صفحة كاملة في كل أسبوع.

وتفضلوا بقبول فائق الاحترام والتقدير

روح الأمل said...

انطلاق العصر العلمي

نحن نعيش في عصر العلم، هذا العصر الذي انطلق منذ أكثر من خمسمائة سنة، نتيجة للخلافات التي حدث منذ ذلك الوقت في الإدارة الكنسية الأمر الذي أدى إلى انشقاق في الكنيسة الكاثوليكية وثورة مارتن لوثر وغيرها.

ونتيجة لهذا الحدث أدى الأمر بعامة الشعب إلى الشعور بالشك في الموضوع الديني برمته، فراح القادة المدنيين الذي كان يعيشون حياة فيها الكثير من التسليم بمشيئة الله، يفتشون ويبحثون عن الحقيقة الإلهية خارج الإطار الديني. ومن هنا نشأ مع يعرف بالبحث الموضوعي أو المقاربة الموضوعية لاكتساب المعرفة، وهكذا صنفت طريقة اكتساب المعرفة الدينية بالمقاربة الذاتية لاكتساب المعرفة. أي اكتساب المعرفة بطريقة الوحي والإلهام والتنبؤ، وغيرها من الطرق الذاتية التي تعتمد على تطور الذات الفردي ويدرك الإنسان الحقيقة من داخل ذاته.

المقاربة الموضوعية العلمية

وبالعودة إلى المقاربة الموضعية لاكتساب المعرفة، فهي الأسلوب الذي اعتمده العلم الحديث منذ بداياته، أي أن يأخذ الباحث موضوعاً معيناً ويبدأ من المستوى السطحي الملموس ويتعمق في تركيبته ووظائفه كي يصل إلى مصدره وحقيقته، ومن هنا تشعبت العلوم وتكاثرت، وبالرغم من أنها هذه العلوم كانت موجودة في الأساس إلا أنه تم استحداثها بطرق وأساليب جديدة، ومثال على ذلك علوم الطب والهندسة المعمارية والرياضيات وغيرها من العلوم. وفي كل هذا كانت الغاية للوصول إلى اكتشاف الحقيقة الإلهية.

ونتيجة لهذا الأسلوب في التعمق في المادة توصل العلم إلى اكتشافات لم تكن معروفة في الحقبة التاريخية المدونة، أي منذ حوالي خمسة آلاف سنة من عمر الكرة الأرضية التي يعود تاريخها إلى ملايين السنين.

ومع هذه الاكتشافات الحديثة التي لم يستطع رجال الدين في ذلك الزمان في الغرب، أن يجدوا لها تفسيرات دينية واضحة، دبّ الخلاف بين العلم والدين، وما كان العالم الإيطالي غاليلو الشهيد الأول لاكتشافه أن الأرض هي كروية الشكل وليست مسطحة كما كان المعتقد الديني، فرجم حتى الموت.

خلاف العلم والدين

بالرغم من أن العديد من العلوم كانت مزدهرة في الحضارات القديمة مثل الحضارة الفرعونية واليونانية والرومانية وحضارات ما بين النهرين والفرس والحضارة الفيدية القديمة في الهند وغيرها، إلا أن وهج هذه العلوم القديمة قد اضمحل في ضوء الديانات حديثة التي تعرف بالديانات السماوية.

روح الأمل said...

ولكن هذا الخلاف بين العلم والدين لم يردع رجال البحث العلمي، لا بل زادهم اندفاعاً في بحوثهم العلمية. كانت الاكتشافات العلمية جذابة ومغرية، وأعطت العلماء الشعور بأن هناك المزيد مما يمكن أن يكتشفوه، ويستطيعون به الحصول على طاقة اكبر وسيطرة أكثر في المجتمع، وبدأ العصر العلمي يتعمق تدريجياً بمستويات الوجود المادي، فكان المستوى الميكانيكي الذي بدأ بتسهيل حياة الإنسان. ومن ثم تطورت الاكتشافات وتعمقت إلى الوصول إلى المستوى الكهربائي، ومنه الميكانيكية الكهربائية، وأيضاً المستوى الكيميائي، وبذلك بدأ ما يعرف بالثورة الصناعية، فالسيارة والطائرة مثلاً هي نتاج التطور الميكانيكي الكهربائي والكيميائي. ومن ثم المستوى الالكتروني، الذي أعطى قدرة أكبر في استخدام قوانين فعالة في الطبيعة وعلى زيادة الرفاهية في المجتمع، هذا ما جعل الديانات تتقوقع، وينحصر دورها في أمور الإيمان والتطور الروحي. وكانت النتيجة بفصل الدين عن الدولة، وكانت النتيجة النظام السائد في الغرب، أي دول علمانية حرية المعتقد عن الشعب.

التوجه إلى المبادئ العلمية

هذا النظام الجديد، جعل الناس يقفون محتارين بين اللحاق بالركب العلمي السريع، أو إتباع المبادئ الدينية. ولكن مع تكاثر الاكتشافات العلمية السريعة، اندفع غالبية الناس بشكل تلقائي إلى اللحاق بالتطور العلمي. الأمر الذي تطلب تحديث وتغيير جزري في أنظمة التربية والتعليم، فكانت الأنظمة والمناهج التعليمية الحديثة، التي لم تترك سوى حصة واحدة أسبوعياً للتعليم الديني. مع هذا التغيير الجزري في الغرب، ومع كل هذه الاكتشافات الحديثة وكل هذا التطور المادي وعلى جميع الأصعدة، ومع ما ترافق معه من انفتاح وتوسع واستعمار واكتشاف قارة أميركا، نقل الغرب إلى الشعوب في الشرق والجنوب من الكرة الأرضية، الأساليب العلمية والاكتشافات الحديثة. أما الشعوب الشرق التي لم تعاني من مشاكل مع الهيئات الدينية مثلما حدث في أوروبا، فوجدت أنها مرغمة على إتباع التطور الغربي خوفها من وقوعها في التخلف والتقوقع. وهكذا انتقل الخلاف بين الدين والعلم من الغرب إلى الشرق وعم في جميع أنحاء العالم وأصبحت التبعية الدينية الصرفة عند القلة من الناس وأصبحت شيء من التقاليد والتراث.

أما الاكتشافات العلمية فلم تتوقف عند حدود المستوى الميكانيكي والكهربائي والكيمائي والالكتروني، بل تابعة إلى المستوى الذري والنووي، وأيضاً إلى مستوى حقول الطاقة ومنها إلى الحقل الموحد، ألذي يشير إليه العلم أنه حقول واحد لا محدود وغير ظاهر، ومن انبثق الكون أجمع.

العودة إلى التوافق بين العلم والدين

هناك تيار علمية متعددة منها من يربط هذه الاكتشافات الحديثة مع النصوص والكتب للحضارات القديمة بما في ذلك الكتب الدينية، ويصرح بعد العلماء الذي اعتمدوا أسلوب المقارنة بين الاكتشافات العلمية والنصوص القديمة، أن هذه النصوص قد ساعدتهم على اكتشاف المزيد من النظريات العلمية. ومثال على ذلك رواية التكوين وآدم وحواء، تحول الأحادية الساكنة إلى تعددية ثلاثية ديناميكية، تجلي أو تجسد الروح الإلهية في الإنسان "آفتار"، البداية والنهاية، الألف والياء، إضافة إلى عبارات كثيرة لقوانين الطبيعة مثل الإنسان هو على صورة الله، الإنسان هو كوني، ملكوت السموات، وأيضاً تأثيرات الصلوات والدعاء والذكر، وغير ذلك من الترابط بين مفاهيم العلم والمبادئ الدينية.

في المقالة المقبلة سنتوسع في نقاط الترابط بين العلم والدين.

روح الأمل said...

التقارب والتشابه بين العلم والدين

الثلاثية في العلم

في الاكتشافات العلمية توصل العلم إلى كشف المصدر الواحد للوجود، وقد أطلق عليه اسم الحقل الموحد، ومع هذا الاكتشاف، وضعت النظريات للتسلسل المتتابع لانكشاف الكون، تقر النظريات العلمية أن الطاقة الكونية هي طاقة هائلة غير ظاهرة، وعندما تكون هذه الطاقة غير ظاهرة، فيمكنها أن تظهر بأي شكل كان، من هنا أتت "نظرية كل شي" Theory of everything وهذه النظرية هي مرادفة لنظرية الحقل الموحد، الذي هو حقل كل الإمكانيات. هذه الطاقة الكونية غير الظاهرة هي مصدر لكل الظواهر، فهي مصدر الخلق والذكاء والمادة، Creativity, intelligence, matter الطاقة تؤدي إلى الخلق، والذكاء ينظم عملية الخلق والمادة هي المنتج لهذه العملية. وهكذا نرى كيف أن الطاقة الكونية الهامدة قد تفاعلت، وبتفاعلها تظهر بثلاثة أوجه، وهي الخلق والنظام والمادة الفانية. إن هذه الثلاثية الكونية المكتشفة في العلوم الحديثة هي موجودة في الديانات أجمع.

الثلاثية في الدين

في الديانة المسيحية هناك ما يعرف بالثالوث الأقدس، وهذه الثالوث يمثل الله الواحد، وهذا الثالوث يتكون من الأب الخالق، والابن المعلم الذي يرشد البشرية لإتباع النظام الإلهي، والروح القدس هو الرب المحي، الذي يعطي الحياة للإنسان المادي المتكون من التراب، ويلهمه للسير في الطريق المستقيم. وفي نهاية المطاف يرافق الروح إلى جنة الله.

في الإسلام نحن نقرأ بوضوح أن الله هو الخالق، فهو خالق كل شيء، وعلى كل شيء وكيل، والوكيل هو الذي ينظم حياة كل ما خلق، والله هو الذي يميت الكائنات لتعود الروح إليه. وفي تفسيرات صوفية، يعطون الله ثلاثة صفات هي الذات والفعل والصفة. الذات للخلق والفعل لوضع النظام والصفة هي انعكاس صورة الله في خليقته، فالخليقة الظاهرة هي المادة التي تعكس صورة الله.

في الديانات الشرقية القديمة مثل الهندوسية والبوذية وغيرها، فيها جميعها نظرية الثالوث، يقولون أن برهمان له ثلاثة صفات وهي: برهما وهو الخالق، وفشنو وهو المحافظ على الخليقة فينظمها للحفاظ عليها من الهلاك، وشيفا وهو المفني، الذي يفني المادة التالفة ويعيد الروح إلى برهمان المطلق.

أما إذا رجعنا إلى ديانات الحضارات القديمة مثل حضارة الفراعنة وحضارة المايا نجد بوضوح نظرية الصفات الثلاثة للطاقة الإلهية الواحدة. هذا ما يؤكد أن الحقيقة هي واحدة، ولا يمكن أن تكون سوى كذلك، عندما نعلم بشكل علمي يعتمد على صيغ حسابية معقدة وصارمة، أن مصدر الكون هو واحد، نكون قد وصلنا إلى الإثبات الملموس لحقيقة الله. ومع هذه المقارنة يظهر جلياً التوافق بين العلم والدين، وليس ذلك فحسب، بل يظهر أيضاً التقارب الكبير بين الديانات المختلفة القديمة والحديثة.

روح الأمل said...

تكشّف الوجود

إضافة لإظهار الوظائف الثلاثة للحقل الموحد في الخلق والذكاء والمادة وتطابق هذه الوظائف مع الوظائف الإلهية كما هي واردة في جميع الديانات. هناك اكتشاف آخر يظهر التكشف المتتالي لعملية الظهور. في علوم فيزياء الكم، أظهرت الاكتشافات أن حقل الجاذبية هو أول ما ظهر في الكون، قبل ظهور حقل الجاذبية كانت الطاقة الكونية في حالة الهمود، وكأنها نائمة، ومن ثم ونتيجة لتفاعلها ظهر حقل الجاذبية، ونتيجة لقوة التجاذب، وتفاعله بالمطلق، كانت النبضة الأولى، فظهر التوتر وبدأ يتسارع في التوتر لدرجة بدأت تظهر البروتونات، يدعى هذه التوتر السريع "الكوارك"، الذي يظهر من الحقل الموحد غير الظاهر.

تجتمع الكواركات معا لتشكل جسيمات مركبة تسمى هادرونات، الأكثر استقراراً التي هي البروتونات والنيوترونات، وهي مكونات نواة الذرة. لا يمكن أن تظهر الكواركات بشكل مفرد حر فهي دائما محتجزة ضمن هادرونات ثنائية (ميزونات) أو ثلاثية (باريونات) مثل البروتونات والنيوترونات، وتسمى هذه الظاهرة بالحبس اللوني (بالإنجليزية Color confinement‏)، لهذا السبب إن معظم المعلومات عن الكواركات تم استخلاصها من ملاحظات الهادرونات نفسها. يتفاعل الكوارك ويظهر حقل التفاعل القوي عندما تتكون نواة الذرة، وبالتالي بدأ تواجد الذرة التي هي أساس المادة. وعلى هذا المستوى من التفاعل من الضروري جداً أن نذكر أن انكسار التناظر يبدأ هنا. الحقل الموحد هو حقل التناظر التام، ولكن في عملية ظهور الكون، يختل هذا التناظر مسبباً ومهيئاً لظهور المادة.

مع بدء تكون الذرة نتيجة تتفاعل الالكترونات والبروتونات ظهرت الإشعاعات في كل اتجاه، ومع هذه الإشعاعات التي ليس لها تأثيرات قوية، فهي تؤدي إلى ما يسمى في الفيزياء "تغيير النكهة" أطلق على هذا الحقل اسم حقل التفاعل الضعيف.

ومع التفاعل الضعيف والذي ينتج عن إشعاعات المكونات الأولى للوجود على بعضها البعض، ومع القوة التنظيمية الدافعة للتطور تبدأ عناصر المواد في التفاعل، ويعرف هذا التفاعل بالحقل الكهرومغناطيسي وهو المسؤول عن كل الظواهر التي نصادفها في الحياة اليومية، باستثناء الجاذبية. تأخذ المادة العادية شكلها نتيجة لقوة الجزيئات بين الجزيئات الفردية في المادة. القوة الكهرومغناطيسية هي أيضا القوة التي تجمع الالكترونات والبروتونات معا داخل الذرات، التي تشكل أساس بناء الجزيئات. هذا يسبب التفاعل الكيميائي الذي ينشأ عن التفاعلات بين إلكترونات التي تدور في الذرات. وبعد قوة الكهرومغناطيسية تأتي المادة الظاهرة على مختلف الأشكال والألوان. وفي الخلاصة يرتكز الكون على أساسات خمسة:
• الطاقة الكونية غير الظاهرة – الحقل الموحد
• طاقة الجاذبية وهي طرفها غير ظاهر وطرفها الآخر يظهر في الوجود
• التفاعل القوي الذي يسبب أول ظهور للمادة
• التفاعل الضعيف الذي يميّز الموجودات عن بعضها البعض
• التفاعل الكهرومغناطيسي الذي يدفع الموجودات إلى البقاء

في المقالة المقبلة سنتحدث عن الترابط الرائع لهذه المستويات مع المفاهيم الدينية.

روح الأمل said...

العلم ومراحل التكوين

في المقالة السابقة تكلمنا عن المستويات الخمسة الأساسية والعميقة للوجود، وهي الطاقة غير الظاهرة أي الحقل الموحد من ثم الجاذبية وبعدها التفاعل القوي والتفاعل الضعيف والكهرومغناطيسية. إضافة لهذه المستويات الخمسة العميقة المكتشفة حديثاً هناك مستويات المادة الأخرى وهي معروفة جداً مثل طاقة الإدراك والتحسس ووظائف العمل وأعضاء العمل وقواعد الحركة وقواعد المبيت والتجمع وغيرها من مستويات نعرفها من خلال العلوم والقوانين والشرائع والتقاليد الشعبية وغيرها، وهنا لا نتكلم عن الإنسان فقط بل على مستوى الوجود ككل، بما في ذلك الإنسان والحيوان والطيور الأسماك والحشرات والنبات والجماد، وكل ما يدور في الحقل المادي، الحقل النسبي.

أما هذه الطبقات الخمسة في نظريات فيزياء الكم الحديثة، والتي لا تزال موضوع جدل بين التيارات العلمية المختلة، فهي معروفة جداً منذ القدم وتحديداً في الكتب الدينية والفلسفات والعلوم القديمة.

هذه الطبقات الخمسة تظهر مراحل التكوين كما تقرها الاكتشافات العلمية، هي واردة في الكتب الدينية؛ في المسيحية والإسلام وأيضاً في الديانات القديمة وفي الفلسفات والقصص الشعبية. قبل أن ندخل في المقارنة علينا أن نعرف أن المفاهيم البشرية تختلف مع اختلاف الزمان والمكان. في العصور القديمة لم يكن هناك المقاربات العلمية الموضوعية، بل كانت الحياة تعتمد على تتطور الوعي والإدراك، فكانت غالبية الناس يتعاملون ويتفاهمون بالأمثال والروايات التشبيهية، ولو كان من سيتكلم معهم بلغة العلم لما كان يجد من يفهمه. ولذلك جاء كلام العلماء عن الحقيقية الكونية، في تلك الأزمنة، بالأمثلة ويتطلب ذلك سرد الروايات والأساطير التي تكون في بعض الأحيان غير واقعية وغير حقيقية، أقله نسبة لعصرنا هذا. في دراسات لطريقة التفكير في الحضارات القديمة التي لا تعتمد على المقاربات الموضوعية، كان الهدف الحقيقي هو جعل الفرد يصل إلى المغذى مما يقال له، كي يستنتج ماذا عليه أن يفعل، هذا ما نسميه المقاربة الذاتية للمعرفة، وفي هذه الطريقة تكون المعلومات التي تقال أقل أهمية من المغذى الذي ينتج عنها، المهم أن يستطيع القائل أن يوصل السامع إلى المغذى المطلوب من كلامه، كي يستطيع السامع أن يصل إلى الاستنتاج الصحيح.

روح الأمل said...

في رواية الخلق ماذا تقول النبوءات والروايات الدينية. في سفر التكوين في التوراة وفي سورة الخلق في القرآن الكريم، كان آدم في فردوس الله، وبينما كان نائماً خلق الله له أنثت، من ضلعه. لماذا ورد في الرواية أن حواء هي من ضلع آدم، لماذا هي من آدم، وما هو المغذى من هذه الرواية في حين نحن لا نرى ولا نسمع عن أي رواية تقول أن هناك امرأة خلقت من ضلع رجل. هذه العلاقة بين آدم وحواء وهما في الفردوس هي مهمة جداً. فلنعيد الرواية، نفخ الله في التراب وخلق الله آدم، آدم هو التراب، قبل أن ينفخ الله في التراب كان التراب تراباً أي شيء ميت جامد لا حياة فيه، أما عندما نفخ الله في التراب أصبح التراب إنساناً، إنه آدم، إذا اعتبرنا أن الله هو طاقة الوعي، نعيد العبارة بالقول عندما كان التراب هامداً كان تراباً، وعندما تغلغل الوعي في التراب أصبح التراب واعياً، أصبح إنساناً. ومن ثم وعندما كان هذا الإنسان وحيداً غير متفاعل، وفي حالة الهمود، انبثقت منه حواء، تقول الرواية أنه بينما كان آدم نائماً أخذ الله ضلعاً من ضلوعه وأوجد منه حواء، وهنا نرى بهذا القول أن وجود آدم هو الركيزة لوجود حواء. وهنا علينا أن ننتبه لهذا القانون في الطبيعة أن التالي يرتكز دوماً على السابق. وفي تلك المرحلة كانا لا يزالان في الفردوس. فلنشرح هذه العناصر الثلاث أولاً، الفردوس هو الحقل غير الظاهر، إنه المطلق إنه الحقل الموحد في نظرية الفيزياء.

أما آدم فهو انعكاس للطاقة الكونية، بل هو الطاقة الكونية في الحقل الموحد، أنه يمثل حالة الديمومة، ديمومة الطاقة، وهو مسبب للتفاعل ولكنه لا يتفاعل، أما حواء التي أتت منه والتي هي جزء منه، هي حقل الجاذبية في الاكتشافات العلمية، لا يمكن للجاذبية أن توجد لولا وجود طاقة الحقل الموحد، وحقل الجاذبية هذا يبدأ من الحقل الموحد، تماماً كما أتت حواء من ضلع آدم، ومن ثم على هذا المستوى تتهيأ عناصر المسرحية الكونية. بوجود حقل الجاذبية يوجد الزمان والمكان وتبدأ الرواية الكونية.

وتتابع الرواية بأن حواء أغرت آدم كي يأكل من شجرة المعرفة بالرغم من أن الله كان قد أوصاهما أن لا يأكلا من هذه الشجرة. ولكن بهذا العمل هناك عنصر آخر يدخل في الرواية وهي الحية، الحية هي العنصر الدافع، هذا الاندفاع قد أتى نتيجة لاعتقاد الحية أنه عندما يأكل آدم من شجرة المعرفة سوف يصبح عليماً بكل شيء ويصبح بمقام الله. ولكن هذا الاعتقاد لم يكن صحيحاً. لقد أخطأت الحية عندما اعتقدت ذلك، إن تفاعل الحيّة كان قوياً جداً بحيث دفع حواء لإغراء آدم كي يأكل التفاحة، بالرغم من أن الله قد أوصاهما بعدم القيام بذلك. الحيّة هي التي فكّرت الفكرة الأولى منذ البدء، وحواء تأثرت بالفكرة وتفاعل مع آدم. إن آدم هنا يظهر كالأرضية التي تتنابض عليها حواء. وهنا نرى بوضوح التفاعل القوي للحية في رواية الخلق الواردة في الديانات الحديثة. فبالرغم من وصية الله لعدم الأكل من الشجرة المحرمة، كانت الحية قوية جداً لتجعلهما يعصيان وصية الله. هذه التفاعل القوي هو ليس سوى التعبير عن حقل التفاعل القوي كما تشرحها علوم الفيزياء. وخطأ الحية في اعتقادها أن آدم سيصبح كلي المعرفة في مقام الله، يظهر جلياً في علوم الفيزياء بما يعرف في انكسار التناظر، break in symmetry، بناء لنظريات الفيزياء إن انكسار التناظر للطاقة الكونية جعل هذه الطاقة تدور خارج إطار محورها وبالتالي تتوسع بشكل حلزوني كما نرى صور المجرات. لو لم يكن هناك انكسار لهذا التناظر، كما تقول علوم الفيزياء، لبقية الطاقة تدور على محورها، ولما كان الوجود قد ظهر. وهكذا تماماً لو لم تفكر الحية وتخطئ، لما كان آدم أكل التفاحة ولما كان نزل من الفردوس، ولما كان وُجد هذا الكون كله.

وهكذا نكون قد شرحنا في هذه المقالة عن ثلاثة عناصر من المستويات الخمسة، وسنتابع في المقالة التالية.

روح الأمل said...

أدم وحواء في النظريات العلمية

في المقالة السابقة أظهرنا التقارب بين ثلاثة طبقات من مستويات الوجود الخمسة الأساسية، وفي هذه المقالة الرابعة سنتابع، ولكن قبل أن ننتقل إلى شرح العنصرين التاليين، فلنكشف ماذا يرد في العلوم القديمة.

رواية أدم وحواء في العلوم الفيدية

إن رواية آدم وحواء تجد مثيلاً لها في الحضارات القديمة، في العلوم الفيدية وهي العلوم الهندية القديمة هناك جزء من أجزاء الفيدا يعرف بالسانكهيا، وتشرح السانكهيا بشكل رائع هذه العناصر الخمسة، في الفيدا هناك عنصر بروشا، الذي هو المطلق الشاهد وغير الفاعل، وحسب الفيدا بروشا يمثل العنصر المذكر في الوجود (آدم)، أما العنصر الثاني يسمى براكريتي، براكريتي تمثل العنصر المؤنث (حواء)، وفي رواية الفيدا، بروشا هو المطلق وبراكريتي هي نبضات الذكاء الكوني، عندما تكون براكريتي هامدة، لا يكون الوجود موجوداً، وعندما تتنابض براكريتي، تدفع الوجود للظهور. في الفيدا، بروشا وبراكريتي يتواجدان في حقل المطلق، بروشا هو طاقة المطلق، وبراكريتي هي نبضات المطلق. تماماً كما هو آدم وحواء في الفردوس. العنصر الثالث في الفيدا هو مهات. ومهات هو العقل الكوني، بوجود مهات وجدت طاقة العقل، وفي رواية الفيدا، العقل يخطئ، وهذا الخطأ يدعى "براغيا براد" وترجمتها حرفياً خطيئة العقل، تماماً كما أخطأت الحية التي أطلقت الفكرة الأولى، ويتوافق ذلك مع نظرية انكسار التناظر في العلوم الحديثة. هذا الخطأ هو علة الوجود، وهو مسبب الوجود، ولو لم يكن هذا الخطاء موجوداً لما كان هناك من وجود، ولما كنت أنت هنا لتقرأ هذه المقالة ولما كنت أنا هنا لأكتبها.

البذرة والشجرة
إن طبيعة الوجود مثل طبيعة الشجرة، قبل أن تكون هناك شجرة كان هناك بذرة، تتفاعل البذرة مع التراب وتنبت، وبالتالي تأتي الشجرة، وهكذا هو الوجود، هناك بذرة الوجود، وهناك التراب، التراب هو المطلق، المذكر، والبذرة هي المؤنث وهي التي تتفاعل في التراب، ومنها تأتي النبتة.

عندما يبدأ الكون بالتفتح لا يمكنه أن يتراجع إلا عندما يصل إلى مداه الأقصى. تماماً كما لا يمكن للشجرة أن تتراجع وتعود إلى البذرة، إلا عندما تصبح شجرة مكتمل وتعطي بذرة جديدة، وهكذا الكون الذي ينبثق من حقل المطلق ومن الطاقة الكونية، لا يمكن أن يتراجع إلى حقل المطلق، إلا عندما يصل إلى مداه الأقصى، ومن ثم يولد ما يعرف في العلم؛ الثقب الأسود Black Hole، في هذا الثقب الأسود تتكاثف الطاقة الكونية بعد أن يكون الكون قد وصل إلى مداه الأقصى، ومنه ينبثق كون آخر من جديد.
.

روح الأمل said...

الخجل وورقة التين
فلنعود إلى المستويات الخمسة، بعد أن أظهرنا المقارنة بين الطاقة الكونية وآدم، والجاذبية وحواء، والتفاعل القوي والحية، فلنتابع لنرى روعة التشابه في العنصرين الآخرين، العنصر الرابع هو التفاعل الضعيف، كما تقول العلوم الحديثة، وكما ذكرنا في المقالة الأولى، إن التفاعل الضعيف هو المسؤول عن نشاطات الإشعاعات، هو ضعيف وليس له تأثيراً كبيراً بل هو تغيير في النكهة كما قلنا. أما في رواية التكوين ماذا حدث بعد أن أكل آدم التفاحة، نظر إلى حواء وأدرك أنه مختلف عنها، أدرك فرديته وفرديتها، وخجلا من بعضهما البعض ووضعا ورق التين ليتسترا. لقد أظهرت الرواية موضوع الخجل فقط لإظهار التغيير في نظرة كلاهما إلى بعضهما البعض وإلى الأمور من حولهما، بعد أن كانا واحداً، بجسم واحد وانتزعت حواء من ضلع آدم ليصبحا اثنين. ولكن قبل أكل التفاحة لم يكونا على دراية بأي فارق بينهما، أما بعد أكل التفاحة، فتغيرت نظرتهما إلى بعضهما البعض، وشعرا بالخجل. لم يتغير أي شيء هنا، فقط الشعور بالخجل، هذا يتطابق مع ما يرد في الأبحاث العلمية بعبارة التغيير في النكهة، هذا هو حقل التفاعل الضعيف كما أراد أن يخبرنا عنه من أدرك واستوحى رواية الخلق في الكتب المقدسة.

من عرق جبينك تأكل قوتك
هذا التقارب الرائع لا بد أن يتابع، العنصر الخامس في الفيزياء، هو الكهرومغناطيسي، المسؤول عن كل ظواهر الكون، هو الحقل الذي يعكس الطبيعة الظاهرة للوجود، هو الذي يضع تركيبات المادة الظاهرة وقوانين تفاعلها، هذا المستوى هو مستوى ظهور قوانين الطبيعة. أما في رواية التكوين، العنصر الخامس هو القوانين التي أملاها الله على آدم وحواء، قد أعلمهما عن طبيعتهما المادية، بالقول من عرق جبينك تأكل خبزك، أو ما شابه ذلك، أو إعلام حواء أنها ستلد بالأوجاع. إن كل ذلك ليس سوى الإفصاح على قوانين الحياة وقوانين الطبيعة وهذه التعليمات معروفة في علم النفس بالغريزة الإنسانية. وهكذا نرى بوضوح التشابه التام بين الحقل الكهرومغناطيسي وإملاءات الله.

ظهور الأنا الفردية والغريزة
أما في علوم الفيدا القديمة، فالعنصر الرابع هو أهمكر أي الأنا، ويعني ذلك الشعور بالأنا. الأنا الفردية هي ليست أنا الآخرين وهذا يتوافق تماماً مع شعور الاختلاف بين آدم وحواء. أي التفاعل الضعيف في الفيزياء الذي هو التغيير في النكهة.

أما العنصر الخامس في الفيدا فهو "مناس" وكلمة مناس تعني الغريزة أي العقل الغريزي. الغريزة هي طبيعة التقدمّ في الحياة، وهي تماماَ تتوافق مع وظيفة الحقل الكهرومغناطيسي وما أملاه الله على آدم وحواء.

في المقالة الأولى تكلمنا عن التفاعل الثلاثي في عملية الظهور في الطاقة الخلاقة والذكاء المنظم والمادة الفانية. وفي المقالات الثانية والثالثة والرابعة، تكلمنا عن المستويات الخمسة الأساسية في الكون. وأظهرنا التشابه الرائع في كل منها مع ما يرد في الحقائق الدينية للديانات المختلفة. في المقالة المقبلة سنتكلم عن الثلاثية في كل من الطبقات الخمسة

روح الأمل said...

المصفوفة الأفقية-العمودية

بعدما أظهرنا الهيكلية الأفقية للتكوين في تحول الطاقة الواحدة إلى ثلاثية، وأظهرنا الهيكلية العمودية في المستويات الخمس الأساسية. فلننظر الآن إلى الصورة بشكلها المتكامل.

الثلاثة في المستويات الخمسة
في العلوم الحديثة يقرّ العلماء أن الثلاثية هي في كل المستويات، ويعطونها تسميات متعددة، في مستوى الحقل الموحد تكون هذه الثلاثية متفاعلة في داخل ذاتها، في توازن تام وتناظر تام بحيث لا يمكن أن يظهر منها أو عنها أي شيء، لذلك هي المستوى غير الظاهر في الوجود الذي فيه تكون الثلاثية متواجدة وغير فاعلة في أحادية غير ظاهرة.



أما في مستوى الجاذبية، وكما ذكرنا سابقاً، هناك طرف غير ظاهر والطرف الآخر ظاهر. مع تواجد الصفتان معناً، صفة الظهور وعدم الظهور في الوقت ذاته، يصبح من غير الممكن إدراك حقل الجاذبية منعزلاً فيكون إدراكه عندما يتفاعل مع المستويات الظاهرة الأخرى. حقل الجاذبية هو حقل التهيئة لظهور الوجود. تماماً كما كان دور حواء في رواية التكوين، كان دورها التهيئة لظهور الوجود بسببها أخطأت الحية وأدرك آدم فرديته، وأخرجه الله من الفردوس.
وهنا لا بد من أن نكشف أمراً علمياً، ألا وهو أن الطاقة الكونية في الحقل الموحد والجاذبية ينتميان لما يعرف بالمستوى غير الظاهر للوجود، أي يمكننا القول أنه مستوى المطلق.

روح الأمل said...

البداية والنهاية

المستوى الثالث هو مستوى التفاعل القوي، في التفاعل القوي تتواجد الثلاثية في ثلاثة صفات، الفاعل والفعل والمفعول به، هذه الديناميكية الثلاثية لا يمكنها أن تتواجد منفصلة عن بعضها البعض في حقل التوحيد، لأنها في حقل التوحيد المطلق تكون هذه الثلاثية واحدة، أما في الحقل النسبي تظهر هذه الثلاثية متفاعلة بشكل واضح. إن مستوى التفاعل القوي هو الحقل الذي يظهر فيه الكوارك ويتفاعل كي يعطي البروتون والنيوترون لتتشكل نواة الذرة. أنه يخلق الجزيئات وينظم دورانها ومن ثم يفنيها عند انتهاء دورها. وهنا لا بد من القول أن هذه الوظائف الثلاث تعمل باستمرار وبشكل تزامني، أي أن عملية الخلق تستمر وعملية التنظيم تستمر وعملية الفناء تستمر كلها في آن واحد. وستظل مستمرة ما دامت الخليقة موجودة ولا تتوقف إلا عند الفناء التام بعد أن تصل الخليقة إلى مداها الأقصى في التوسع وتعود وتنقبض فيما يسمى في العلم "الثقب الأسود".

يقال عن هذا المستوى من الوجود، البداية والنهاية لكل شيء، عندما يفنى الكون المادي ستزول المادة ومن ثم تزول حقول الطاقة بشكل تتابعي وبسرعة هائلة، بدءاً من الحقل الكهرومغناطيسي ومن ثم حقل التفاعل والضعيف والتفاعل القوي، فيضمحل الكون في الجاذبية الهائلة للثقب الأسود، ومن ثم يهمد حقل الجاذبية ويستمر الكون في حالة عدم الظهور إلى أن يعود ويتفاعل بذاته وينطلق من جديد، وهكذا تستمر دورة الظهور والفناء الكونية إلى ما لا نهاية.

التمييز والخجل.

يبدأ التفاعل الثلاثي في الظهور ويستمر على المستويات التالية في الخليقة، التفاعل الضعيف والكهرومغناطيسي ومستويات المادة. في مستوى التفاعل الضعيف، وبعد ظهور المكوّنات الأولى للكون، تعطي هذه المكوّنات إشعاعات تؤثر على بعضها البعض، هذه الإشعاعات تنطلق من جزيء متكوّن إلى جزيء متكوّن آخر، وهكذا تتغير ملامح الجزئيات عندما تتعرف على بعضها البعض، وتكون الثلاثية في عملية بث الإشعاعات وعملية انتقالها وعملية تلقيها والتقاطها من الجزيء الآخر. تماماً كما هي موصوفة في رواية الخلق؛ بعدما أدرك آدم ذاته، نظر إلى حواء، ونظرته هذه هي عملية البث، وعندما أدركت حواء أنه نظر إليها كانت عملية انتقال الإشعاعات، ومن ثم شعرت بالخجل، والشعور بالخجل هو تلقي الإشعاعات. ومن ثم عادة حواء ونظرت إلى آدم وحدثت الثلاثية مرة أخرى ولكن بشكل عكسي. لكن هناك أيضاً نقطة هامة يجب أن نلحظها في رواية التكوين وهي أن الله سألهما ماذا فعلتما. وهذا للدلالة أن جميع مستويات الوجود لها تفاعلها الذاتي، ولكنها تعمل بدفع من الطاقة الكونية. فكل نقطة من الوجود هي متصلة بما حولها وأيضاً متصلة بمصدرها في الوقت ذاته.

التهيئة لظهور المادة

أما في مستوى الكهرومغناطيسي، الذي فيه تتكون عناصر المادة وتتمازج لتشكل الوجود المادي الملموس، تكون الثلاثية في عملية دمج الجزئيات المختلفة. هذه الجزيئيات التي خلقة متشابهة نتيجة للتفاعل القوي، وتغيرت نكهتها نتيجة للتفاعل الضعيف، ها هي الآن تتمازج مع بعضها على اختلاف نكهاتها لتشكل عناصر مادية ملموسة. في عملية المزج، هناك تواجد العناصر، أي تواجد العناصر المخلوقة الناتج عن عملية الخلق، ومن ثم مزجها مع بعضها البعض، وينتج ذلك عن عملية التنظيم، ويلي ذلك ظهور المزيج، الذي يخفي العناصر المخلوقة ويظهر شيء جديد، وبذلك تكون عملية الفناء قد حدثت بمزج العناصر المخلوقة وتحولها إلى عناصر مادية ملموسة. والآن يأتي دور العناصر المادية لتظهر، وفي عملية ظهورها عليها أولاً أن تنقل مواصفاتها الجديدة إلى مصدرها، الذي هو المصدر الأساسي للكون، الحقل الموحد، حقل الوعي، كي يدفعها إلى الحقل المادي بخمسة تسارعات، وتعرف هذه التسارعات في العلوم الحديثة، بتسارعات الدوران (spinning) وهذه التسارعات هي تسارع -1، و-1/2 و0 و+1/2 و+1

في المقالة المقبلة سنعرض تأثيرات تسارعات الدوران على عناصر المادة.

روح الأمل said...

تغير السرعة يغيّر الشكل

عرضنا في المقالات السابقة كيف أن الاكتشافات العلمية قد توصلت إلى اكتشاف المصدر الموحد للكون، وعرضنا كيفية انبثاق الكون من هذا المصدر الذي هو الحقل الموحد، وعرضنا الوظائف الثلاث: الخلق والنظام والمادة الفانية، وعرضنا المستويات الخمسة الأساسية للوجود وهي الحقل الموحد وحقل الجاذبية والتفاعل القوي والتفاعل الضعيف والكهرومغناطيسي، وأظهرنا توافق هذه الاكتشافات العلمية مع المبادئ الدينية للديانات القديمة والديانات الحديثة، وأظهرنا كيفية تحول الطاقة من الحقل الموحد إلى الوظائف الثلاثية للتفاعلات، نتابع في هذه المقالة كيفية تحوّل مستوى الكهرومغناطيسية إلى مستويات المتعددة التي ترتكز على خمسة عناصر أساسية مرتبطة بتسارعات الدوران (spinning) التي هي تسارع -1، و-1/2 و0 و+1/2 و+1

عندما تتغيّر السرعة يتغيّر الشكل



عندما تتغير سرعة تفاعل المكونات المادية يتغير شكلها، وهذه الأشكال المختلفة وردت في روايات الخلق الدينية، وهي الظلمة والرياح والنور والمياه واليابسة. هذه العناصر الخمسة في الروايات الدينية لها ارتباط بتسارعات الدوران الخمسة في العلوم الحديثة. إن المكنونات المادية التي هي في الأساس مكوّناً واحداً انبثق من المطلق غير الظاهر وظهر بالكوارك، ومنه تشكلت النواة ومن ثم تلونت وتشكلت الذرات المختلفة، لتتمازج وتكوّن المواد المختلفة. في العلوم؛ الظلمة هي الفراغ أي الفضاء وتعرف أيضاً بالأثير. في حقل فارغ من الأثير لا يمكن إدراك أي شيء سوى الصوت، الصوت ينتقل عبر الأثير ونتيجة لذلك يُسمع الصوت، لهذا تقول الفيزياء إن أول ما ظهر في الوجود هو التنابض، أي النبضات الصوتية. أما الرياح فهي حركة الأثير النابض، حركة الأثير تولّد الرياح، والرياح تعصف في الاتجاهات المختلفة وتصبح ملموسة، لا يمكن لمس الصوت، الصوت يُسمع، ولكن يمكن لمس الريح. ومع ظهور الأثير وحركته بالرياح، يتفاعل ويتفجر ويشع نوره في الكون، وهنا يحدث ما يعرف بالانفجار الكبير "بيغ بانغ" والنور يُرى. وهكذا بعد السمع واللمس يأتي البصر. ومن ثم ومن حرارة النور تذوب العناصر الكونية وتظهر الرطوبة، والرطوبة هي المياه، ومع رطوبة العناصر الكونية تظهر نكهتها ومذاقها، تتحلل المواد برطوبة المياه وتعطي مذاقاً لذاتها وهنا يأتي الذوق. وبالمياه تُجبل العناصر مع بعضها البعض لتشكل اليابسة، وعندما تُجبل العناصر تفحّ رائحتها وتُشم فيأتي الشمّ. وهكذا تكون العناصر الخمسة قد ظهرت من مستوى الحقل الكهرومغناطيسي مهيأة لمستويات المادة أن تتشكّل.
.

روح الأمل said...

الوظائف الكونية الخمسة للمادة

إن كل هذا الشرح للعناصر الخمسة الواردة في رواية الخلق الدينية، له النظريات العلمية المرتبطة بتسارعات الدوران الخمسة، فكل تسارع يعطي ظهور لعنصر من العناصر الكونية. وهكذا نرى أن المستوى الخامسة أي مستوى الكهرومغناطيسي هو المستوى الذي يهيئ الانتقال من مستوى تفاعلات الطاقة إلى مستويات الظهور المادي، إنه مرحلة التحوّل من الثلاثية إلى الخماسية. الثلاثية هي الفاعل والفعل والمفعول به، والخماسية هي عناصر المادة الخمسة؛ الفضاء (الظلمة)، والهواء (الرياح) والنار (النور) والماء (المياه) والتراب (اليابسة). فهي في خدمة الفاعل كيف يفعل بالمفعول به.
هذه العناصر المادية الخمسة ليست موجودة في الديانات السماوية فحسب بل هي أيضاً موجودة في الديانات والفلسفات والعلوم القديمة. وترتكز العديد من العلوم القديمة والتقاليد الشعبية على هذه العناصر الخمسة، ومنها علوم الطب البدني والنفسي وأساليب تحضير الطعام وحياكة الثياب وأساليب الزراعة والبناء وغيرها من العلوم القديمة.

الوعي والروح الكونية

هناك نظرية علمية أخرى ولها الكثير من الأهمية وهي أن العلم قد توصّل إلى الاستنتاج أن الطاقة الكونية في الحقل الموحد، هي طاقة من الوعي. وهذا الوعي هو متغلغل في كل شيء. إنه الروح الذي يعطي الحياة في المادة. وبإعطائه للحياة، أي الخلق، يكون قد وضع فيها النظام التلقائي للبقاء والاستمرار، وأيضاً يعود ويفنيها عندما تصل إلى مداها وغايتها.
يقر عدد من التيارات العلمية وخاصة تلك التي تتبع خط ألبرت أينشتاين، بأن مستويات الوجود كلها بما فيها المستويات المادية، تصنف بثلاث فئات رئيسية وهي: الناحية الروحية والناحية التفاعلية والناحية المادية، كما يقولون أن هذه الفئات على المستوى الفردي هي الروح والعقل والجسم.

الجاذبية والنفس

إذا نظرنا إلى حقل الطاقة الكونية وإلى حقل الجاذبية، إنهما المستوى الروحي، أما التفاعل القوي والتفاعل الضعيف والكهرومغناطيسية فيشكلون المستوى العقلي، ومستويات المادة جميعها تشكل المستوى المادي، نستطيع القول أن للكون روح وعقل وجسم. وهكذا نرى أن الاكتشافات العلمية قد توصلت إلى الاكتشاف الذي يظهر أن التركيبة الكونية تشبه التركيبة الفردية كما نعرفها في العلوم الدينية وفي العلوم والفلسفات القديمة. عندما نعلم أن المادة تفنى ومستويات التفاعل تزول، أما الحقل الموحد فهو دائم الوجود، وحقل الجاذبية يهمد ولكنه لا يزول ولا يفنى، نكون قد فهمنا علمياً ما هي المستويات الفانية وما هي المستويات الخالدة وبذلك نفهم علمياً معنى خلود الروح.
في المقالة المقبلة سنتناول أهمية هذا الاكتشاف في حياة الإنسان

روح الأمل said...

الطاقة الكونية والإنسان

في المقالات الست السابقة شرحنا الترابط بين النظريات العلمية لوجود الكون والروايات الدينية ووجدنا التطابق الكبير والرائع بينهما. نتابع في هذه المقالة لشرح هذه المستويات المكتشفة علمياً في حياة الإنسان.

طاقة أكبر في المستويات العميقة



هناك مقارنة قام بها أحد العلماء. تتناول تغير التموج والتذبذب بعد انطلاق الطاقة من مستوى الحقل الموحد. تقول علوم الفيزياء أن الكون الظاهر هو حقل من التموج والتذبذب، تماماً يشبه البحر الدائم الحركة. وتقول الفيزياء كلما انطلقت التذبذبات من مصدرها وابتعدت تتغير في غزارتها وقوتها. فالتذبذبات على مستوى التفاعل القوي هي أقوى وأكثر غزارة من التذبذبات على المستوى السطحي من الوجود. لذلك إن وظائف المستويات العميقة من الوجود المادي هي أقوى وأكثر فعالية من وظائف المستويات السطحية. فالتفاعل النووي هو أقوى بكثير من التفاعل الكيميائي مثلاً.

الروح الكونية في تغلغلها في الوجود

في لغة العلوم الدينية، والفلسفات القديمة وخاصة في العلوم الفيدية، يشرحون أن الكون هو حقل من الأنغام والأصوات. وهذه الأنغام هي تمدد للروح الكونية غير المحدودة، (الله الذي هو الروح هو موجود في كل شيء) في كل مستوى من طبقات الوجود تكون للروح الكونية طاقة محددة، ففي مرحلة خلق الكون، تنعكس الروحة الكونية طاقتها بثلاثة وظائف هي: وظيفة الخلق ووظيفة الحفاظ على الخليقة ووظيفة الفناء. في الحضارات القديمة كانوا يشخصون كل شيء، وكانوا يعطون قوى الطبيعة رسوم بشرية، ويعتبرونها متفوقة عن البشر، ويسمونها آلهة أو أنصاف آلهة، وغير ذلك مما نعرفه في الأساطير والروايات القديمة، تماماً كما هي رواية آدم وحواء. هذه المفاهيم التشخيصية لقوى الطبيعة كانت سائد في جميع الحضارات القديمة، بما في ذلك الحضارة اليونانية والفرعونية والهندية والصينية وأيضاً حضارة المايا في الطرف الآخر من الكرة الأرضية. وفي كل هذه الحضارات هناك الخالق وهناك المدبر وهناك أيضاً المدمر الذي يفني المادة التالفة. على صعيد المثال في الحضارة الفيدية هناك براهما الخالق، وفيشنو الذي يحافظ على النظام الإلهي وشيفا الذي يدمر الخليقة الفانية.

وفي الحضارة الفيدية أيضاً يعتقدون أن برهمان (الله) عندما يتدخل في الوجود المادي يظهر بشكل كائن حي ويكون هذا الكائن الحي هو تجلي لروح فيشنو المحافظ، في الديانة الهندوسية التي لها جذورها من العلوم الفيدية (العلوم الفيدية ليس ديانة بحد ذاتها) يعتبرون أن السيد كريشنا هو تجلي أو تجسد لفيشنو.

روح الأمل said...

ثلاث وظائف في البدء

لنطابق هذه القوى الثلاثة مع العلم، قوة التفاعل القوي هي المستوى الأول بعد حقل الجاذبية، وهي الظهور الأول في المادة، لها ثلاثة صفات وهي: الخلق والذكاء المنظم والمادة الفانية، وهذه الصفات مطابقة بالتتالي لبرهما وفيشنو وشيفا، وهؤلاء الصفات الثلاثة هي أيضاً في المسيحية معروفة بالأب والابن والروح القدس. الأب هو الخالق الضابط الكل، خالق السموات والأرض وكل ما يرى وما لا يرى... أما الابن فهو الرب المعلم، الذي يعلّم البشر على العيش بشكل صحيح، أما الروح القدس فهو الرب المحي الذي يزيل فينا الخطيئة ويعطينا الحياة الأبدية. هذه التوصيفات الثلاثة هي الوظائف الثلاثة الأساسية في الكون. أما في الإسلام، يرد في كثير من السور والآيات المقدسة أن الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل، والوكيل هو المنظم للخليقة. والله هو الذي يحييكم ويميتكم. وهكذا نرى كيف أن الديانات القديمة والحديثة جميعها تقر بمبدأ العمل الثلاثي في بداية الخلق.

ومن ناحية أخرى حقل التفاعل القوي له تشبيه بالعقل الكوني، وكذلك بعنصر الحيّة التي أطلقت الفكرة الأولى في رواية آدم وحواء. لذلك يقولون في بعض الأحيان وفي بعض المعتقدات أن الشخص الذي يعطي المعرفة الإلهية هو تجلي العقل، (العقل الكوني)

أنا البداية وأنا النهاية

إن حقل التفاعل القوي هو البداية والنهاية، منه كانت بداية الكون المادي، وبزواله يكون الكون المادي قد زال من قبله. وحقل التفاعل القوي وصفاته الثلاث هي مرادفة لطاقة الخلق وطاقة المحافظة وطاقة الفناء، وعندما نرى كيف أن الطاقة المحافظة على الخليقة في ضمن حقل التفاعل القوي، نكون قد فهمنا لماذا قال معظم المرسلين أنهم البداية والنهاية، السيد كريشنا قال ذلك منذ أكثر خمسة آلاف سنة، بوذا قال ذلك، السيد المسيح قال ذلك أيضاً، والنبي محمد (ص) قيل عنه أنه خاتمة الأنبياء، والحاكم بأمر الله قيل عنه أنه تجلي العقل الكلي. هؤلاء المرسلون جميعاً وكل من أتى مثلهم إلى هذه الأرض من قبلهم وكل من سيأتي مثلهم من بعدهم هو فعلاً البداية والنهاية، وذلك لسبب بسيط أن كل من هؤلاء يحملون تلك الروح العظيمة القوية التي تمتلك القوة التنظيمية والتي وجدت منذ البدء. ونفهم بذلك ما ورد في الأناجيل كيف أن السيد المسيح كان موجوداً في البدء، وسيظل موجوداً إلى انقضاء الدهر.

إن هذه الاستنتاجات والمقارنات هي ليست الوحيدة بل هناك الكثير من الاستنتاجات التي بنية على أحدث الأبحاث العلمية، التي تذهب إلى حد تحليل معنى الخطيئة، ومسببات بقاء فردية الروح وعدم إمكانية توحدها بالطاقة الكونية، وأيضاً ذهبوا بالتحليل في كيفت تخلص الإنسان من الانطباعات النفسية، أي الضغوط والإجهاد stress بلغة العلم، رابطين ذلك بالصلاة والتعبّد وغيرها من الممارسات الدينية.
بالرغم من أن هذه الاستنتاجات لم تنشر بشكل رسمي بين الأوساط العلمية بعد، إلا أنها يتم تداولها بين عدد من التيارات العلمية. ولكن ما يحيّر غالبية العلماء الذين عملوا على الربط بين الاكتشافات العلمية والمبادئ الدينية، هو أنه كيف تم كتابة هذه الروايات منذ آلاف السنين ويتبين الآن مدى مطابقتها مع الاكتشافات العلمية الحديثة.

في المقالة المقبلة سنتوسع في تركيبة الإنسان وأهداف الحياة.

روح الأمل said...

اكتشاف علمي لحقيقة الله

إذا كانت الطاقة الكونية للحقل الموحد هي الروح العظمى في الكون، وهي ثابتة لا تتغير، لا تظهر ولا تختفي، لا تتأثر بأي عوامل خارجية لأنها المصدر لكل شيء منها أتى كل شيء وإليها يعود كل شيء، وإذا كانت هذه الطاقة الكونية هي حقل لا محدود من الوعي، يتمدد دون أن يزيد ويتقلص دون أن ينقص لأنه لا محدود ولا متناهي، لا بداية له ولا نهاية له، وعندما يشاء إظهار الوجود يُحدث تنابض في حقل الجاذبية فتنهض من حالة الهمود، وتندفع لإظهار حقول التفاعلات الثلاث ومن ثم تتابع بدفعها لإظهار العناصر الخمسة للمادة، ومن كل هذا تأتي جميع الكائنات. إذا كان كل هذا هو ضمن نطاق الإثباتات والبراهين العلمية، يكون العلم قد وصل بنظرياته وصيغه الحسابية الصارمة إلى إثبات الوجود الأزلي السرمدي لله. بذلك يكون العلم قد كشف الحقيقة الإلهية بشكل علمي.

العلم يتابع البحث

أما العلم فلم يكتفي بهذا الاكتشاف عند هذا الحد، بل إنه يتابع ليكشف المزيد. عندما يكون الحقل الموحد بمثابة الروح الإلهية، ماذا يكون حقل الجاذبية؟ من تسميته نفهم أن حقل الجاذبية هو الحقل الذي يجذب إليه كل شيء. عندما لا يكون الوجود ظاهراً لا يستطيع هذا الحقل أن يجذب شيئاً، أما عندما يظهر وبعد أن يصل الوجود إلى مداه الأقصى، ويعود ويضمحل وينجذب إلى حقل الجاذبية، ولكن ماذا يدخل في حقل الجاذبية؟

روح الأمل said...

مراحل الفناء

عندما يكون الكون قد وصل إلى مداه الأقصى، يبدأ بالتفتت والتلاشي والتفكك، وبتفككه تضيع منه طاقة التماسك، ولكن وبالرغم من تفكك كل أشكال المادة وزوال تفاعلات الطاقة تبقى الطاقة الكونية (الوعي) التي كانت متغلغلة فيه، هذه الطاقة الكونية وخلال تغلغلها في المادة اكتسبت انطباعات واختبارات من جراء وجودها المادي، هذه الانطباعات لا تزول بفناء المادة وبزوال التفاعلات، بل تنجذب هذه الانطباعات إلى حقل الجاذبية، وتلازمها لحين انبثاق الكون من جديد. هكذا نرى أن الطاقة الكونية لا تتأثر بأي شيء في حين أن الجاذبية تجمع حولها انطباعات واختبارات الوجود المادي. وهكذا نرى أن الفناء الكوني يكون تدريجياً بدءاً بفناء المستويات المادية ومن ثم زوال مستويات التفاعل وآخرها حقل التفاعل القوي، فتنجذب كل الانطباعات في حقل الجاذبية وهكذا تهمد الجاذبية. يشبه انبثاق الكون ومن ثم انقباضه في حقل الجاذبية، عملية الشهيق والزفير، في الشهيق تجذب الجاذبية كل الانطباعات الكونية ويزول الوجود (الثقب الأسود)، وفي الزفير تطلق الجاذبية الانطباعات الكونية التي كانت اختزنتها ويظهر الوجود من جديد (سوبر نوفا). وهكذا نرى وكأن الكون يتنفس؛ يظهر في الزفير ويضمحل في الشهيق. وكأن حقل الجاذبية هو حقل النفس الكونية. وهكذا تكون طاقة الحقل الموحد هي الروح الكونية، في حين أن الجاذبية هي النفس الكونية. الروح والنفس هما خالدتان في حين أن العقل والجسم يزولان.

الفرد هو كوني



هذا الوصف الكوني يتطابق تماماً مع تكوين الإنسان. نحن نعلم أن الإنسان يتكوّن من مستويات الجسم، بما في ذلك الحواس الخمسة التي تعتمد على عناصر المادة الأساسية، وأيضاً المستويات الثلاثة للعقل، وهي العقل الغريزي المرادف لحقل الكهرومغناطيسي والأنا المرادف لحقل التفاعل الضعيف والعقل الواعي المرادف لحقل التفاعل القوي، ومن ثم النفس التي هي غلاف الروح. تقول الكتب الدينية أن النفس هي التي تحاسب عند الله، فهي التي تجمع كل الخطايا، تماماً مثل حقل الجاذبية الذي يجمع كل الانطباعات حوله.

وهنا لا بد أن نردد ما قاله الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) منذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة: "وتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر"، وهذا ما كان يردده دوماً العالم الكبير في هذا العصر مهاريشي ماهش يوغي بقوله: "الفرد هو كوني".
يتكون الفرد من الطبقات الثلاثة؛ المستوى الروحي والمستوى العقلي والمستوى الجسدي. الجسم ينفذ توجيهات العقل والعقل يستمد الطاقة من الروح.

الانطباعات النفسية تلوّن على العقل

الجسم يعمل والعقل يدرك الوجود المادي من خلال الحواس الخمسة، يخزن العقل كل ما يدركه في الذاكرة وأيضاً في المستوى النفسي، فتتجمع عند الإنسان الانطباعات النفسية التي تؤثر على تصرفاته وقراراته. إن المعلومات التي تخزن في الذاكرة هي أقل أهمية من المعلومات المخزنة في المستوى النفسي. وذلك أن من طبيعة الإنسان النسيان، فينسى ما في ذاكرته. لكن الانطباعات النفسية ترسخ في النفس الخالدة. تؤثر الانطباعات النفسية على حياة الإنسان بشكل عام. إن كل شعور ومزاج وفكرة وعمل، وكل ما نقوم به يتأثر بالانطباعات النفسية. حتى أن الانطباعات النفسية الفردية تؤثر على من حولنا وما حولنا من إنسان وحيوان ونبات. هذه الانطباعات النفسية هي التي تلوّن وتغير الطاقة التي تندفع من الروح إلى العقل. وبالتالي وحسب هذه الانطباعات النفسية يتصرف العقل إيجابياً أو سلبياً. هذه الانطباعات النفسية تعرف بلغة الطب Stress أو الإجهاد والضغوط.

في المقالة المقبلة سنتكم عن وسائل التخلص من الانطباعات النفسية.

روح الأمل said...

صيغة حسابية للخلاص

رئينا في المقالات السابقة مستويات الوجود، ورأينا كيف أن المستويات الكونية تتطابق تماماً مع المستويات الفردية، وفهمنا أن الإنسان له ثلاثة مستويات رئيسية المستوى الروحي وفيه الروح والنفس الخالدتان، والمستوى العقل وفيه العقل الواعي والأنا والغريزة، والمستوى الجسدي وفيه العناصر الخمسة والحواس الخمسة وأعضاء الحواس وأعضاء الحركة.

وشرحنا كيف أن الروح الفردية ومتصلة دوماً بالروح الكونية (روح الله) وكيف أن الروح الفردية تعطي الطاقة إلى العقل من خلال النفس، وبهذه الطاقة يعقل العقل ويعطي الأوامر إلى الجسم. وشرحنا كيف أن الانطباعات النفسية المتراكمة في النفس هي التي تؤثر على الطاقة التي تخرج من الروح إلى العقل والجسم. سنتوسع في هذه المقالة عن الانطباعات النفسية وأهمية التخلص منها.

الانطباعات النفسية

نحن نعلم من الطب أن الضغوط لها تأثيرات فاعلة على العقل والجسم. وهذه الضغوط هي الانطباعات النفسية، وبلغة الدين هي الخطيئة. ومن أجل أن نستحق الجنة على النفس أن تكون قد تخلصت من كل خطيئة. إذا عرفنا علمياً أن الانطباعات النفسية، أي stress هي المسبب الرئيسي لكل ضعف عقلي وجسدي، يقول الأطباء أن الضغوط هي المسبب الرئيسي لجميع الأمراض النفسية-الجسدية، إذا عرفنا ذلك، يصبح ملحاً أن نعرف.

هكذا نستنتج أن بزوال هذه الانطباعات النفسية يعيش الإنسان في حالات أفضل عقلياً وجسدياً. فيتمتع بعقل قوي وواضح، ويتمتع بصحة جيدة وقوة بدنية، وبذلك يكون كل عمل وكل تصرف نابع من قوته العقلية والجسدية، فيعيش حياة ممتلئة بالسعادة والاكتمال. ومن ناحية أخرى، عندما نفهم دينياً، أن الانطباعات النفسية هي الخطيئة، نفهم بذلك كيف أن الإنسان الذي يتبع الصراط المستقيم ويعيش حياة ملؤها التقوى وبعيداً عن الخطيئة، يعيش حياة سعيدة ومطمئنة.

وهكذا نرى مدى التشابه في وصف غاية الحياة، إن كان ذلك من الناحية العلمية التي تدعو إلى التخلص من الانطباعات النفسية والضغوط وstress ، أو من الناحية الدينية التي تدعو إلى الابتعاد عن الخطيئة. وعندما نعلم أنه عند فناء الكون تزول المادة وحقول الطاقة وتمتص الجاذبية الانطباعات الكونية (الثقب الأسود)، ونعلم أنه عند وفاة الإنسان يتفكك جسده وتترسب الانطباعات النفسية في النفس البشرية وتحفظها معها بعد الوفاة، ونعلم من الديانات أن الروح الخالدة والنفس ملازمة للروح وتحمل النفس كل خطيئة ارتكبها الإنسان في الحياة، والله يحاسب النفس لما فعلت، عندما نفهم كل ذلك، نفهم بشكل أكيد أهمية التخلص من الانطباعات النفسية. وبتخلصنا منها نحن نستفيد في حياتنا، فنعيش حياة سعيدة، وكذلك نستفيد بعد الممات، فنذهب إلى جنات النعيم.

روح الأمل said...

كيف نتخلص من الانطباعات؟

وهنا يطرح السؤال نفسه، كيف نتخلص من الانطباعات النفسية أو من الضغوط، أو بلغة الدين، من الخطيئة. قبل أن ندخل فيما يدعو له العلم والطب تحديداً للتخلص من الضغوط. فلندخل من المنظور الديني أولاً. إذا راجعنا جوهر كل الديانات وبما في ذلك الديانات القديمة التي فقد أتباعها جوهرها الحقيقي وضاعة منها الحقيقة الأزلية، إن جوهر كل دين هو أن الكون قد انبثق من حقل غير ظاهر هو حقل الله، ومنه خلق كل شيء وبه يحيى كل شيء وإليه يعود كل شيء.

إن كل ما خلق من الله سيعود إلى الله، ولكل مخلوق جسد وروح، الروح خالدة أما الجسد فان، تعود روح الإنسان إلى الله عندما يكون تقياً وطاهراً من كل خطيئة. أما الممارسات الدينية فكانت من أجل أن يستطيع الإنسان أن يطهر نفسه من كل خطيئة وأن يعيش الحياة بالتقوى والفرح والسعادة.

هذا هو بكل اختصار هدف كل دين، أما الصلاة فهي ليست من أجل الله، إن صلاة البشر لا تزيد الله بشيء، فهو المطلق وغير المحدود، أنما الصلاة والممارسات الدينية هي من أجل صفاء النفس البشرية وتقربها من الله كما تقول الديانات. عندما نقول تقربها من الله، يقصد بذلك أن تصبح صفاتها مشابهة لصفات الروح الإلهية، أي خالية من أي شوائب، خالية من الخطيئة، خالية من الانطباعات النفسية أو من الضغوط (stress) بلغة العالم. في كل دين هناك ممارسات مختلفة، ولكنها جميعها لها هدف واحد، ألا وهو العيش بالسعادة والجنة بعد الوفاة.

صيغة حسابية للذهاب إلى الجنة



يقول علوم الفيزياء أن فناء الوجود يحدث عندما تتفكك المادة، وينجذب كل شيء في حقل الجاذبية (الثقب الأسود) ومن ثم تهم الجاذبية في الطاقة الكونية. أما على مستوى الفرد، عند وفاة الإنسان، تتحرر الروح من الجسد لأن الروح خالدة، وتأخذ معها النفس لأن النفس خالدة أيضاً، أما إذا لم تستطع النفس التخلص من كل الانطباعات النفسية، تكون النفس غير صافية، وبالتالي لا تستطيع أن تهمد في الروح، وبالتالي لا تستطيع الروح الفردية أن تعود إلى روح الله الكونية. لذلك إن معادلة توحيد الروح الفردية مع الروح الكونية هي عندما تكون النفس هامدة في الروح الفردية. وهكذا تكون المعادلة:

ر = ن + أ (روح = نفس + انطباعات)

ومن أجل أن تعود الروح الفردية إلى حقل الروح الكونية يجب أن تكون " ر = ن " أي يجب أن تكون " أ " = صفر. وبذلك نتوصل إلى صيغة حسابية للذهاب إلى الجنة أو للوصول إلى حالة التوحيد وهي " ر = ن + صفر"، أي عندما تكون الانطباعات تساوي صفر كي تذهب الروح الفردية إلى الجنة.

في المقالة المقبلة سنتكلم عن وسائل التخلص من الانطباعات

روح الأمل said...

التركيبة الثلاثية البشرية

إذا فهمنا المعادلة التي شرحناها في المقالة السابقة: ر = ن + أ (روح = نفس + انطباعات)، وفهمنا أن الروح لا تستطيع الخلاص من ارتباطها بالحقل المادي إلا إذا كانت النفس والروح متطابقتان تماماً وبالتالي تكون الانطباعات تساوي صفر. إذا فهمنا كل ذلك، يبقى علينا أن نعرف كيف نتخلص من الانطباعات.

تركيبة الإنسان

يتميز الإنسان على باقي المخلوقات في طبيعة تكوين الدماغ البشري، الجزء الأمامي من الدماغ البشري لا يوجد شبيه له في باقي المخلوقات، هذا الجزء يعطي ميزتين إضافيتين للإنسان وهما: القدرة التمييزية والشعور بالأنا أي إدراك الذات، بينما باقي الحيوانات فلا يسمح لها دماغها سوى التصرّف والتفاعل بشكل غريزي.



إن هاتان الميزتان تسمحان للعقل الواعي أن يتخطى المستويات العقلية ويغطس في المستويات الروحية. ونحن نعلم، وكما شرحنا سابقاً، أن الإنسان له ثلاثة مستويات: وهي الجسم والعقل والروح. من أجل أن يتطور الإنسان عليه أن يتطور على هذه المستويات الثلاثة. في الأساليب التربوية والتعليمية الحالية، يوجد مناهج تطوّر الجسم مثل الرياضة البدنية على أنواعها، وأيضاً يوجد مناهج تطوّر العقل مثل العلوم والأدب، كالرياضيات والفيزياء واللغات وغيرها، ولكن يفتقد الناس إلى مناهج تعليمية تطوّر المستوى الروحي للإنسان، هناك قلّة من الناس الذي يتبعون العلوم الروحية. وإذا تعمقنا بما يتعلم هؤلاء الناس الذين يتبعون مناهج التطوّر الروحي، نجد الكثير من الفوضى والكثير من الضياع والكثير من الطرق التي لم تحقق هدف هؤلاء الأبرياء الذين يبحثون عن الحقيقة الكونية. لذلك نجد الكثير منهم يصلون إلى ممارسات ممتلئة بالتقشف والتنسك وقهر الذات وتحطيم الأنا وغير ذلك من العذاب من أجل التنوير. لكن حقيقة الحياة هي الفرح، وليس العذاب، لذلك تبيّن علمياً أن كل مثل هذه الطرق بلا منفعة.

روح الأمل said...

الإنسان جسم وعقل وروح

إن طبيعة الإنسان التي تضم ثلاثة مستويات وهي الجسم والعقل والروح، تفرض أن يكون تطوّر الإنسان من خلال هذه المستويات الثلاثة. هناك مناهج جيدة للتطور البدني، وهناك مناهج جيدة للتطور العقل، ولكن نحتاج إلى مناهج جيدة للطوّر الروحي. بلغة العلم، يقولون أنه عندما يصل العقل الواعي إلى مستوى الحقل الموحّد الذي هو الوعي الصافي الموجود في داخل كل إنسان، يهمد كل نشاط فكري ما يعطي حالة من السكون أو السكينة التامة، وبالتالي تبدأ الانطباعات النفسية (Stress) بالتحلل من المستويات العميقة في داخلنا. ومن أجل الوصول إلى ذلك يقول العلماء نحن بحاجة إلى الوسيلة التي يستطيع العقل الواعي أن يستخدمها للوصول إلى مستوى الوعي الصافي الساكن.

الرابط بين المطلق والنسبي

في فيزياء الكم يعتبرون أن ما يعرف بالكورك، الذي يتحلى بصفتين في آن واحد، وهما الديناميكية من الجهة والسكون من جهة أخرى، هو الوسيلة التي تربط الحقل المطلق مع الحقل النسبي. أما على المستوى العملي، يشبّه الكورك بالصوت الذي يمكنه أن يكون ساكناً تماماً ويمكنه أن يكون ديناميكياً أيضاً. أما على مستوى الإنسان، فيمكن استخدام الصوت لأخذ العقل الواعي إلى مستوى الوعي الصافي. ومن هنا كانت تلك الممارسات للتأمل والتركيز والتبصر والتمعّن والصلوات والتراتيل والترانيم والذبائح الإلهية والأضاحي والنذور والتعاويذ الحجاب والكتابات الروحية. إن كل هذه الأمور تهدف إلى ربط المستوى السطحي من حياة الإنسان من المستوى المطلق أي المستوى الروحي. ولكن وبمجرد سردنا لهذه الوسائل نشعر أنها في غالبيتها ليست فعالة ولا تعطينا النتائج المرجوة، وذلك لسبب بسيط أن المجتمعات قد فقدت الطرق الصحيحة لاستعمالها. بمجرد أنها موجودة في التراث الشعبي للكثير من الشعوب والحضارات، هذا يعني أنها كانت فعّالة في مرحلة من مراحل التاريخ. أما الآن فقد ضاعت هذه المعرفة ولم يبقى منها سوى القليل جداً.

هدف الحياة هو صفاء النفس

إذا كان هدف الحياة هو صفاء النفس، كي تصبح صفاتها مشابهة لصفات الروح الإلهية، أي خالية من أي شوائب، خالية من الخطيئة، خالية من الانطباعات النفسية أو من الضغوط (stress) بلغة العالم. هل يستطيع العلم أن يعيد إحياء هذه المعرفة التي تؤدي إلى صفاء النفس. وهل يستطيع أن يقدم منهج علمي يتماشى مع كل الحضارات وكل الشعوب وكل الأديان وكل المعتقدات القائمة. إن التجربة مع العلم هي مشجعة جداً. فكل ما يتم اكتشافه علمياً تتبناه جميع الدول وجميع الشعوب بغدّ النظر عن المستوى العلمي أو الثقافي أو المعتقد الديني. بالرغم من أن بعد العلوم تجلب معها تقاليدها وطقوسها الخاصة بها، مثل القضاة الذين يلبسون الثوب الخاص بهم، والأطباء الذين يحلفون اليمين عند تخرجهم إلى أبولوس إله الشفاء عند الإغريق، وفي الكاراتيه يخضعون للمعلم الأكبر وفي اليوغا يسجدون للغورو، وبالرغم من كل ذلك، تدخل كل هذه التقنيات في مختلف الحضارات والشعوب.

وهكذا عندما يستطيع العلم أن يتبنى الوسيلة العلمية الأكيدة سيتم تبنيها من قبل جميع الشعوب، تماماً كما يتم تبني مناهج الرياضة البدنية المتنوعة منها الكاراتيه والكنغفو والرياضة السويدية وكرة القدم وكذلك العلوم على أنواعها، وبنفس الطريقة سيتم تبني الوسائل العلمية التي ستعطي التطوّر الروحي.

هناك عدد من التيارات العلمية التي قامت بأبحاث علمية خلال خمسين سنة ماضية، على العديد من الوسائل والتقنيات التي تهدف إلى التطوّر الروحي عند الإنسان، وهناك الكثير من النتائج المشجعة، وسنتناول التفاصيل في المقالة القادمة

روح الأمل said...

السكينة النفسية من أجل الخلاص

بعد أن أظهرنا أن الحياة السعيدة والمنسجمة للإنسان تكون متوفرة عندما تكون النفس طاهرة من الانطباعات، وأظهرنا أهمية التخلص من الضغوط والانطباعات النفسية، علينا أن نجد الوسائل التي تساعدنا على التخلص من الانطباعات.

تقر الأبحاث العلمية أن أي فكرة أو كلمة أو عمل تحدث موجات من الطاقة تسرح في الكون، فترتطم بالموجودات الكونية وتؤثر على كل شيء ترتطم به. وأكثر من يتأثر بهذه الموجات هو من يصدرها. مثال على ذلك إذا أتت فكرة إيجابية لشخص ما، يشعر هذا الشخص بشعور إيجابي. هذا الشعور الإيجابي يعطي انطباعاً نفسياً إيجابياً. أما إذا أتت فكرة سلبية، فتعطي انطباع نفسي سلبي. تتجمع هذه الانطباعات النفسية وتلازم النفس، بشكل موجات متفاعلة من الطاقة، فتجعل النفس متفاعلة مع هذه الموجات وبالتالي تصبح النفس غير مستقرة، وهذا ما يعرف بالتوتر النفسي.

إعادة إحياء وسائل التطور الروحي

ومن أجل إزالة التوتر النفسي، يتطلب الأمر أن نحدث تأثيراً من السكون على المستوى النفسي، أي أن نرسل موجة ساكنة، عندما نرسل الموجات الساكنة تحدث توازناً بين الموجات السلبية والموجات الإيجابية، فتنعدم فعالية هذه الموجات التي تبدأ بإلغاء تأثيراتها. وبالتالي تبدأ الضغوط والانطباعات النفسية في الانخفاض التدريجي. ربما يتطلب الأمر مدة طويلة للتخلص من جميع الانطباعات، ولكن الوسيلة الوحيدة هي في إحداث موجات نفسية ساكنة باستمرار كي تلغي مفعول الموجات المتوترة.

هذا ما يبحث عنه العلم الآن، إنه يبحث على الوسائل والطرق التي تعطي موجات ساكنة على المستوى النفسي. وهنا لا بد أن نفهم الطبيعة البشرية كي نعرف كيف يستطيع الإنسان أن يصل إلى السكون. عندما يجلس الإنسان أو يستلقي يتوقف عن الحركة، ولكن الجسم لا يكسب حالة السكون، فيظل الجسم يتفاعل. لا يستطيع الجسم أن يكسب السكون إلا إذا استطاع العقل أن يكسب السكون أيضاً. ولكن السكون العقلي هو صعب المنال ما دام هناك توتر نفسي. ونحن نختبر ذلك بوضوح وعلى مدار الساعة، يظل العقل متأرجحاً بين الأفكار ولا يهدأ إلا لفترات وجيزة خلال النوم، ولكن حتى خلال النوم يدخل العقل في حالة الحلم التي هي حالة تفكير للعقل. إن إمكانية سكون العقل ممكنة إذا توفرت الوسيلة. إن العقل الذي يستطيع أن يفكّر باستمرار، يستطيع أيضاً أن يتوقف عن التفكير، ومع توقف العقل عن التفكير نختبر حالة من السكون العقلي التي تنعكس بحالة من الراحة الجسدية العميقة.

روح الأمل said...

الموجات الساكنة

عندما يصل العقل إلى حالة السكون تبدأ الانطباعات النفسية بالتلاشي نتيجة الموجات الساكنة التي أثرت على الموجات المتوترة، وبالتالي يتم إلغاء مفعول الموجات المتوترة بالموجات الساكنة. هذا هو التحليل العلمي للتخلص من الانطباعات النفسية. في الطب النفسي يستخدمون نوع من المسكنات ليكسب لإنسان الراحة. ولكن هذه المسكنات لا تزيل التأثيرات السلبية للانطباعات النفسية، بل تخدّر التوتر الذي يبقى في الجهاز العصبي، ويعود التوتر بعد انتهاء مفعول الدواء المسكّن. لذلك يبحث العلم الآن عن وسيلة فعّالة.

طبيعة العقل



فلنتوسع في الشرح. أولاً يتوجب علينا أن نفهم طبيعة العقل. هناك ما يسمى العقل الواعي، أي المقدرة العقلية التي يتحكم بها الإنسان، وهناك عدة مستويات للعقل، وهي بالتدرج من المستوى السطحي إلى المستوى العميق: الإدراك الحسّي (الحواس)، ومن ثم الذاكرة، فالعقل المميز (الفكر) ومن ثم شعور الأنا. وبعد مستوى الشعور وإذا تابعنا الدخول في الأعماق ندخل في المستوى النفسي ومن ثم المستوى الروحي.

إن كل مستوى من مستويات العقل له وظائفه وله نمط لتفاعله، فمستوى الإدراك الحسي يدرك الإنسان من خلال الحواس، وفي مستوى الذاكرة نتذكر المشاهد والروايات، وفي مستوى العقل التمييزي ندخل في التحليل المنطقي، أما في مستوى الشعور بالأنا، يتفاعل العقل بالمشاعر والعواطف. ومن أجل أن نأخذ عقلنا الواعي إلى المستويات النفسية عليه أن يتجاوز هذه المستويات العقلية، ولكل مستوى هناك وظيفة له، في المستوى الإدراك الحسي علينا أن نشغّل الحواس الخمس. ومن أجل أخذ العقل الواعي إلى مستوى الذاكرة علينا أن نتذكر ما نعرفه. ومن أجل الوصول إلى العقل التمييزي، علينا أن ندخل في تحليل الأمور، أما للوصول إلى مستوى الشعور، علينا أن نثير العواطف. ومن أجل أن نتجاوز مستوى العواطف علينا أن نصل إلى أعمق مستوى من العواطف، والمستوى الأعمق للعواطف نصل إليه بالحب والعشق والتعبد، وكي نستطيع الوصول إلى تلك الحالة القصوى يتطلب ذلك تفاعل العقل والقلب معاً. هذا ما توصل إليه علم النفس. وعندما يصل الحب إلى مستوى العشق الخالص والتعبد، يتجاوز العقل الواعي جميع المستويات العقلية، ويختبر السكون المطلق، وبذلك يعطي موجة ساكنة على المستوى النفسي.

الصلاة بصمت

هذا الاستنتاج العلمي له ما يلاقيه في الديانات، فهي تدعوا الإنسان كي يكسب حالة السكون. في التوراة يرد في المزامير عبارة تقول: "استكينوا واعلموا أني أنا الله" وفي المسيحية يدعون للوصول إلى حالة الصمت في الصلاة. وفي الإسلام يدعون للصلاة كي تحل علينا السكينة. نجد أن الصلاة والممارسات الدينية الخاصة، لها تأثيرات تعطي الإنسان حالة السكون والسكينة، ونجد ذلك أيضاً في الحضارات القديمة، في الهند يسمونها حالة السمادي، أي السكينة المطلقة. كذلك نجد الأمر ذاته في حضارات الفراعنة وحضارات بلاد ما بين النهرين، واليونان والرومان وغيرها. وهذه هي الغاية الحقيقية لكل الممارسات الدينية.

في المقالة التالية سنتناول الوسائل والتقنيات التي تهدف إلى التطوّر الروحي عند الإنسان.

روح الأمل said...

وسيلة علمية للخلاص

بعد أن عرضنا في المقالات السابقة الاكتشافات العلمية وتطابقها الكبير مع العلوم الدينية، وبعدما استطاعت الفئات العلمية في الدخول في أعماق الذات والمستويات الروحية، وإظهار حاجة النفس البشرية للتحرر من الضغوط والانطباعات وبالتالي أعطى العلم التفسير الواضح لحاجة الإنسان في الصلاة والتعبّد. بقي على العلم أن يجد الوسيلة الصحيحة لتحقيق غاية الحياة في التحرر النفسي من الانطباعات، أي التخلص من الخطيئة كما يرد في التعاليم الدينية.

البحث عن الوسيلة لاختبار السكينة



منذ حوالي خمسين سنة تجري التيارات العليمة الدراسات المتعمقة عن جميع التقنيات المعروفة للتطور النفسي والروحي، بما في ذلك الممارسات الدينية في كل الأديان الحديثة (المعروفة بالأديان السماوية) والأديان القديمة في شرق آسيا. وجد العلم العديد من الطرق والممارسات التي تختلف كثيراً عن بعضها البعض. في الديانة المسيحية هناك أكثر من 372 طريقة مختلفة في الممارسات والطقوس الدينية، وفي الإسلام هناك 78 طريقة وفي اليهودية أيضاً كذلك، أما في الديانات القديمة هناك طرق مختلفة تعد بالآلاف، إضافة إلى الممارسات الحديثة مثل اليوغا وتقنيات التنفس وتقنيات التركيز والتأمل. وفي ظل هذا العدد الكبير من الطرق والممارسات والتقنية وجد العلم أن هذه الطرق جميعها تصنف بفئتين أساسية، منهم من يعتمد التركيز ومنهم من يعتمد التبصر أو التمعن.

تقنيات التركيز

في تقنيات التركيز يضع الممارس لهذه التقنيات غرض ما في مجال عقله الواعي ويركز كل انتباهه عليه لأطول مدة ممكنة. مثال على ذلك أن يستخدم صورة أو كلمة أو صفة أو شمعة أو أي غرض آخر. في عملية التركيز يحشر الإنسان عقله الواعي في نقطة واحدة. وهذا يتطلب جهد من الإنسان في أن يمنع العقل الواعي من أن يشرد عن الغرض الذي يركّز عليه. إن طبيعة العقل تتطلب التركيز خلال عمل الإنسان، فالإنسان يركز على عمله كي ينجز العمل بشكل صحيح. وبالتالي لا يمكن أن يكون التركيز وسيلة من أجل إحداث موجة ساكنة على مستوى النفس. ربما تكون تقنيات التركيز قد أتت بهدف الوصول إلى حالة عدم الحركة العقلية، التي كان من المعتقد أنها ستعطي الراحة النفسية أو السكون النفسي. ولكن الدراسات العلمية لم تستطع تأكيد ذلك.

تقنيات التبصر

أما تقنيات التبصر أو تحليل المعاني، فهي في أن يفكّر الإنسان بموضوع معين أو كلمة أو جملة أو عبارة من كتاب مقدّس أو أي كلمة أخرى، ويدخل في تحليل المعنى لما يفكر به. في تقنيات التبصر لا يحشر الإنسان عقله الواعي في نقطة واحدة، بل يجعله يسرح في المعاني، وبالتالي يظل العقل الواعي متنابضاً في المستويات العقلية، ولكنه لا يستطيع الوصول إلى حالة السكون التي تسمح للعقل أن يتجاوز نشاطه الفكري، ويختبر السكون النفسي.

روح الأمل said...

الوصول إلى حالة الهمود

هكذا نجد أن معظم الطرق والأساليب المعتمدة في جميع أنحاء العالم وجميع الديانات، لم تعطي الإنسان القدرة على تحقيق هدفه الأسمى وهو في أن تصل النفس البشرية إلى حالة من الاستقرار التام. أي بلغة العلم إلى حالة الهمود التام. في علم الفيزياء يقولون أن الرابط بين الحقل النسبي والحقل المطلقة هو ما يعرف بالكوارك، وهو العنصر الذي يعطي البروتون ليكون نواة الذرة، هذا الكورك هو ليست سوى موجة تتنابض كي تصل إلى سرعة فائقة وعند بلوغها أقصى مجال من السرعة تعطي أو بروتون. هذه الموجة وكل موجة أخرى تنطلق من السكون ومن ثم تبدأ بالتنابض إلى أن تصل إلى سرعتها الأقصى. يعتبر العلماء أنه بواسطة الكورك يمكن الانتقال من الحقل النسبي المتفاعل إلى الحقل المطلق الساكن. أما على صعيد الإنسان، فيجب أن نجد ما له صفات مثل الكورك أي أن يكون متفاعلاً من جهة وساكناً من جهة أخرى، وبعد البحث لم يجد العلم سوى "الصوت" الذي يكون ساكناً من جهة ومتفاعلاً من جهة أخرى. يستطيع الإنسان أن يستخدم صوتاً معيناً كي يأخذ عقله الواعي من المستويات السطحية إلى مستوى السكون، وبالتالي يحدث ما نسميه الموجة الساكنة على المستوى النفسي الأمر الذي يساعد على إزالة الانطباعات النفسية.

تقنية جديدة مثبتة علمياً

وهنا تقدم العالم الهندي المعروف عالمية بعرض تقنيته الحديثة على المراجع العلمية، والتي يقول أنها تستطيع أن تأخذ العقل الواعي إلى اختبار حالة من التسامي التي تعطي السكون المطلق، وقال مهاريشي أن تقنية لا تعتمد على أسلوب التركيز أو أسلوب التبصر، بل هي تعتمد على طبيعة العقل في الاستقرار في الحقل غير المحدود من الوعي الصافي الموجود في داخل كل إنسان. مهاريشي الحائز على الماجستير في الرياضيات والفيزياء، تتلمذ على يد معلم عظيم في الهند اسمه غورو ديف سوامي برهمناندا ودرس منه علوم الفيدا لمدة ثلاثة عشر سنة، هو واضع التقنية المعروفة عالمياً وهي تقنية التأمل التجاوزي. وقد عمل مع مهاريشي عدد من العلماء وأسس عدة مراكز للدراسات العلمية وجامعات حول العالم. وهذه المؤسسات تضع المناهج التطبيقية لعلوم مهاريشي الفيدية بما في ذلك برنامج التأمل التجاوزي.

تقنية فريدة تعطي حالة السكون

لقد أجر العديد من العلماء الأبحاث حول تقنية التأمل التجاوزي، بات هؤلاء العلماء يعتبرون أن تقنية التأمل التجاوزي هي التقنية الفريدة التي تسمح للعقل الواعي في أن يختبر الحقل التجاوزي - الوعي الصافي - في حين أن التقنيات الأخرى تعطي حالة من الاسترخاء والراحة. عندما يصل الإنسان إلى حالة السكون في التأمل التجاوزي، يستطيع أن يتخلص من الانطباعات والضغوط النفسية. ويتم اعتماد هذه التقنية في المناهج التعليمية في عدد كبير من المدارس حول العالم، كما يتم اعتمادها كتقنية للوقاية والعلاج من الأمراض، وتعتمد من قبل المؤسسات التجارية كبرنامج لتنمية قدرات الموظفين والعمال، وتستخدم أيضاً في عدد كبير من برامج إعادة التأهيل لمصابي الحروب والمساجين والمدمنين على المخدرات والكحول، وعلاوة على ذلك تستخدم في مجموعات لخلق التماسك في الوعي الجماعي في البلد وخلق المنعة التي لا تقهر لكل وطن وللعالم ككل. كما يصرح عدد من رجال الدين من الديانات المختلفة أن ممارسة هذه التقنية تساعدهم على التعمّق أكثر في صلواتهم وتقربهم من الله.

وبذلك نختم هذه السلسلة من المقالات حول التلاقي بين العلم والدين الأمر الذي يفتح لنا المجال في تحديث حياتنا ومعتقداتنا الدينية بشكل يجعلنا قادرين على تحقيق غاية الإنسان وغاية كل دين والعيش في الجنة على الأرض.